Translate

viernes, 28 de marzo de 2014

أخلاقيات

مفهوم عالمية رسالة الاسلام وتمثله في حركييتنا في الواقع


إن الحديث عن عالمية رسالة الاسلام وكونيتها، يحيل الباحث مباشرة على استحضار الاية الكريمة من سورة الانبياء والتي يقول الباري عز وجل فيها : ﴿ وما أرسلناك الا رحمة للعالمين ﴾. الانبياء 107. حتى إن هذه الاية صارت عنوناً لهذا المفهوم، وهكذا عُلمنا إياها ومنذ أن فتحنا أعيننا على أول درس في مسار التحصيل العلمي، إذ معظم المعلمين والمدرسين والدعاة والشيوخ كانوا يضعونها في مقابل قول الله عز وجل : ﴿ وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم ﴾ إبراهيم 4. فشاع هذا الاستعمال بين الناس وأصبح من المسلمات التي لا يجادل فيها أحد، وكانَ هذا الفهم يقضي بأن النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام أرسل الى البشرية جمعاء في نطاق استكمال دورة النبوة وختمها عكس أدوار ما سبقه من الانبياء والمرسلين والذي كان لكل منهم دور محدد في هذه الدورة، فكانت رسالته هذه رحمة للناس تخرجهم من ظلمات الجهل الى نور الاسلام متى تبنوها واعتنقوها وآمنوا بها وتمثلوها في حياتهم، والويل والضياع والضلال... مصير كل من يصد عنها ويوليها دبره، بمعنى أنه في النهاية يصبح منطلق الرسالة عالمياً وشمول رحمتها مخصوص بالمومنين بها فحسب، مما يجعل مضمون الاية يشوبه نوع من الخلل فيما يرتبط بمفهوم العالمية والكونية، وهو ما يدفعنا الى التأمل في مغزى مفهوم الرحمة في هذه الاية، وهل من السليم أن توضع هذه الاية في مقابل الاية التي تتحدث عن قومية أدوار الانبياء السابقين!
إن الانفتاح على خط آل بيت النبي عليهم السلام باعتبارهم امتداد لخط الانبياء وورثة علمهم، وكونهم القرآن الناطق، وبلحاظ سلوكهم وأخلاقهم... وبتأمل العناوين الكبرى لرسالة الاسلام، نستطيع القول إن قول الله عز وجل : وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه، كان ينبغي مقابلتها بقول الله تعالى : ﴿ وما أرسلناك الا كافة للناس بشيراً ونذيراً ﴾. سبأ 28. حتى تستقيم المقابلة في سياق شرعة ومنهاج كل نبي ونطاق تنزيل ذالك، مما يدفعنا الى الوقوف بشيء من التأمل عند مفهوم الرحمة الوارد في قوله تعالى وما أرسلناك الا رحمة للعالمين وعلاقته بالكونية، ما دام أن أمر مقابلته بقومية شرائع الانبياء السابقين لم يعد ذا جدوى وأهمية.
من الأمور المعلومة عند عامة المسلمين أن دين الاسلام هو أمر فطري في الانسان، وقد أكد القرآن الكريم هذا المعنى في قوله تعالى : ﴿ فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها ﴾. الروم 30. مما يعني أن الاسلام هو موجود في أعماق الانسان وقراراته، وهو يمثل بهذا المفهوم كمال الانسان، ولا يحتاج الانسان للوصول الى هذا الكمال الذاتي الا لاستنهاض هذه القيم الكائنة في ذاته، وهنا يأتي دور المصلحين، بمعنى أن هذا الدين في النهاية هو إنساني ما دام يعتبر فطرة إنسانية، وعليه فإن كل إنسان يحتاج الى هذا الدين لكماله الانساني سواء آمن به أم لم يومن به، وهو ما جاءت الاية الكريمة وما أرسلناك الا رحمة للعالمين لتؤكد هذا التوجه في المفهوم.
لذالك فإننا نزعم بأن الرحمة في هذه الاية وعلاقتها بالكونية، تسير في اتجاه التأكيد على أن دين الاسلام هو رحمة للبشرية كلها من حيث استفادتها من قيمه المنزلة على أرض الواقع، بمعنى أن مفهوم العدل على سبيل المثال حينما يقام من لدن النظام الاسلامي، لا يقتصر تطبيقه على المومنين به فحسب، وإنما كل انسان يشمله مجال هذا التطبيق، سواء أكان من المومنين به أم من غير المومنين به، وهكذا مع كل القيم الاخرى التي تمثل عنواناً للرحمة المهداة الى البشرية، وهو ما نجد نظيراً له في قول الله عز وجل : ﴿ ورحمتي وسعت كل شيء ﴾.الأعراف 156. وهو ما نلمس أيضاً تنزيلا له في الواقع من خلال السياسات العامة التي اتبعت من قبل النبي الأكرم عليه وعلى آله الصلاة والسلام ضمن دولة الاسلام وخاصة في علاقتها بغير المسلمين، حيث كان يحرص النبي حرصاً شديداً على أن يتمتع هؤلاء بجميع حقوقهم المدنية والسياسية، وهو ما يؤكده كذالك عهد أمير المومنين علي عليه السلام الى عامله مالك الأشتر والذي يعتبر بمثابة الاعلان الحكومي حيث جاء فيه : « ولا تكن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان : إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق ».
من هنا فإننا نجد أن مفهوم الرحمة في الاية الكريمة وما أرسلناك الا رحمة للعالمين، يتجاوز معنى ان يكون النبي أرسل بشيرا ونذيراً للعالمين، لينص على أن المشروع الاسلامي هو مشروع إنساني يتجاوز الفهم الطائفي والمذهبي.
وانطلاقاً من هذا الادراك، فإن مركز الامام الهادي ببرشلونة وبحكم تمثله لهذا الوعي، يمتلك مشروعاً وإن كان منطلقه يرتكز على ثوابت هوية الامة الاسلامية، فإن عمقه إنساني بحث، يستفيد منه الانسان بما هو إنسان ولا يقتصر على الاتباع من الطائفة أو المذهب أو الديانة، مشروع يحاول الارتقاء بوعي الناس من موقع المتلقي فحسب، الى موقع المساهم المضحي المتبني لجميع قضايا المجتمع من منطلق أن المركز يعتبر نفسه جزءً من محيطه الاجتماعي والثقافي... يعنيه كل ما يعني هذا المحيط، بمعنى أننا بهذا الفهم نريد أن ننتقل من موقع المتعاطي مع الفعل والحدث، الى موقع المبادر الذي يصنع الحدث.
لذالك فإننا نعتبر أن هذا الفهم الراقي للاسلام، هو المدخل الرئيسي الى لعب هذا الدور المتميز في المجتمع، وهو ما من شأنه أيضاً أن يغير نظرة المجتمع بشكل راديكالي الى كل ما هو ذي طبيعة إسلامية، مما سيساهم في خلق أجواء جديدة مبنية على أساس الشراكة والتعاون التي يقتضيها مجال العيش المشترك.

رئاسة مركز الهادي.