الدعوة عمل وليست مجرد
تنظير :
في خطبة الجمعة لهذا
الأسبوع والتي أقيمت بمركز الامام الهادي ببرشلونة، تناول فضيلة السيد العربي
البقالي الحَسَني خطيب المركز ورئيسه بالدرس والتحليل موضوع : الدعوة عمل وليست
مجرد تنظير، انطلاقاً من قول الله عز وجل : ﴿ وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ﴾. طه. 132.
ذالك وبعد حمد
الله والثناء عليه بما بليق بجلال وجهه، والصلاة على النبي الأكرم وآله الأطهار
عليهم السلام جميعاً، وتذكير الحاضرين بضرورة تقوى الله، باعتبار أن التقوى مفتاح
التعلم في شتى المجالات، ﴿ واتقوا الله ويعلمكم الله
﴾. البقرة. 282. انطلق فضيلته في الخطبة الأولى، حيث استهلها بمقدمة تطرق فيها الى
اعتبار كون كل الوافدين على المركز يجب أن يعوا بأنهم رسل المركز لدى أسرهم
ومحيطهم، وعلى عاتقهم تقع مهمة تبليغ ما نصطلح عليه بالخط الثقافي للمركز الى
الأسر والمحيط، إذ أننا في المركز لا ننطلق في عملنا من موقع الصدفة، وإنما نشتغل
في إطار مشروع مجتمعي، وهذا المشروع له استراتيجية محددة، واستراتيجيته تكمن في أن
يصبح الإسلام المحمدي الأصيل رافداً من روافد هذا المجتمع، يدافع عنه المجتمع
ويتبناه كتبنيه لباقي الروافد الأخرى وإن لم يعتنقه، ولأداء هذه الرسالة على أتم
وجه، يجب الاشتغال ضمن منهج محدد، ولعل أفضل منهج في هذا السياق، هو المنهج
العملي، أي أن نكون رسلا عمليين، أن نمارس الدعوة بأعمالنا وليس بأقوالنا، أن
نتلبس بما ندعوا الناس اليه قبل غيرنا، أن نعكس على أرض الواقع ذالك التوافق
القائم نظرياً ما بين قيم الاسلام التي نحمل وقيم المجتمع، تطبيقاً للتعليمات
الواردة في الآية التي بين أيدينا، وسيراً على الهدي النبوي وهدي العترة الطاهرة،
لأن الدعوة العملية هي أكثر مصداقية من الدعوة القولية، وهي أكثر تأثيراً في
المحيط
ولقد كان هذا
المنهج توجيهاً قرآنياً، وعليه سار الأنبياء والرسل والأئمة عليهم السلام جميعاً،
إذ أنهم كانوا يبدؤون بأنفسهم وبيتهم قبل غيرهم، فكانوا يتمثلون ما يدعون اليه من
تعاليم في سلوكهم وتصرفاتهم... قبل الآخرين، ذالك لأن المنهج العملي في الدعوة هو
أقرب الى النجاح من كثرة الكلام والتنظير، ﴿ واذكر في
الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً، وكان يأمر أهله بالصلاة
والزكاة وكان عند ربه مرضياً ﴾. مريم. 54. 55.
وهو نفس الأمر
الذي سلكه الأئمة عليهم السلام وأوصوا به أتباعهم، إذ أننا نجد أن الامام جعفر
الصادق عليه السلام يوصي بذالك قائلا : « كونوا دعاة
الناس بأعمالكم ولا تكونوا دعاة بألسنتكم ». ولقد كانوا سلام الله عليهم
كذالك، فكان بذلهم وعطاؤهم يطال كل من يقترب منهم، ورحمتهم وعطفهم وعلمهم يسع كل
الناس، وأخلاقهم ولينهم وتقربهم الى الناس بالحسنى... انتفع منها العدو قبل
الصديق.
وفي نفس السياق
نجد رواية أخرى للإمام أمير المومنين علي عليه السلام تسير في اتجاه التأكيد على
نفس المنهج، حيث يقول سلام الله عليه : « أيها الناس،
إني والله ما أحثكم على طاعة إلا وأسبقكم إليها، ولا أنهاكم عن معصية إلا وأتناهى
قبلكم عنها ». وذالك بالتأكيد ما جعلهم يكتسبون مصداقية مع جميع الناس، بما
في ذالك الخصوم والأتباع.
وهذا هو
المطلوب منا بالتحديد أن نقوم به، أن نتخلق بأخلاق الاسلام في ذواتنا، وأن نتلبس
بما نحمل من أفكار في أفعالنا قبل أن نطالب غيرنا بذالك، وأن نترجم خطنا الثقافي
الى واقع عملي يسير بين الناس، أن نشتغل على أرض الواقع بأعمال واضحة للعيان، لأن
التنظير مهما كان جميلاً، فإنه سرعان ما يتبخر إن لم يصدقه العمل، لذا يجب أن يكون
شعارنا المرحلي : كثير من العمل وقليل من الكلام، فلقد تكلمنا بما فيه الكفاية،
وتحدثنا عن أنفسنا بالقدر الكافي، فلنترك الفرصة للعمل كي يتحدث عنا، ولا شك أنه
سيقوم بدوره أفضل من الكلام.
وأما الخطبة
الثانية، فقد نبه فيها فضيلة السيد الى أن المنهج العملي في الدعوة، هو ضرورة
يفرضها الواقع كذالك، ذالك أن المجتمع الذي نعيش فيه، يولي أهمية للعمل أكثر من الكلام،
إذ أن الناس لم يعد لديهم الوقت الكافي ليضيعونه في الاستماع الى التنظير، ولذالك
نجد أن كل من يريد أن يوصل منتوجه الى المجتمع، يعمد الى إيصاله عن طريق الصورة
الصامتة أو المرفوقة بشروحات طفيفة، لأن الصورة صارت أبلغ من أي تعليق أو كلام،
وهو المشاهد حالياً في كل المجالات، والصورة تعني ترجمة للكلام واختزال له، أي
تبني الجانب العملي في التبليغ، أي أن تترجم كل ما تريد قوله الى واقع عملي ينوب
عن الكلام، لذالك كان من المفروض علينا أن نتكلم بنفس لغة المجتمع في الأداء، حتى
تكون نسبة النجاح مرتفعة لدينا.
وهذا ما نسعى الى أن يتشبع به كل من يفد علينا في
هذه المؤسسة، أن يفهم أن الوقت هو وقت عمل، فالمهمة صعبة جدة بحكم الألغام
المزروعة في الساحة، وبحكم حساسية المرحلة، ولذالك لا بد وأن تكون أساليب العمل
متطورة، تتماشى من جهة مع تقدم المجتمع، ومن جهة تعكس تطور المشروع الاسلامي
وقدرته على مسايرة جميع المراحل، والا فإننا لن نستطيع مواكبة الركب إذا بقينا
متمسكين بالأساليب القديمة والتي لم تكن في مجملها مرتبطة بمنهج الاسلام والنبي
والعترة الطاهرة عليهم السلام ينهي كلامه فضيلة السيد.