آداب التعامل
مع عترة النبي ( التأدب في المناداة ) :
في خطبة الجمعة
لهذا الأسبوع والتي أقيمت بمركز الإمام الهادي ببرشلونة، تناول فضيلة السيد العربي
البقالي الحَسَني خطيب الجمعة بالمركز ورئيسه موضوع : آداب التعامل مع عترة النبي
وتحديداً التأدب في مناداتهم، انطلاقاً من قول الله عز وجل : ﴿
لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً ﴾.
النور. 63. إذ وبعد حمد الله والثناء عليه بما يليق بجلال وجهه، والصلاة على النبي
الأكرم وآله الأطهار، وتلاوة سورة من القرآن الكريم، وتنبيه الحاضرين الى ضرورة
تقوى الله عز وجل، باعتبار أن التقوى ليست غاية تنتهي عندها جهود المرء، وإنما
التقوى زاد يتزود به المومن في سفره الى دار الخلود....
افتتح فضيلته
الخطبة الأولى بمقدمة تمهيدية، تعرف بمكانة النبي الأكرم عليه وعلى آله الصلاة
السلام وعظمته عند ربه، إذ أن الله جعل طاعته من طاعة نبيه، ﴿ من يطع الرسول فقد أطاع الله ﴾. النساء. 80. وجعل حب الله في اتباع رسوله، ﴿ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم
﴾. آل عمران. 31. وجعل الإيمان به جل
جلاله مربوطاً بالإنقياد والتسليم لنبيه، ﴿ فلا وربك لا
يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا
تسليماً ﴾. النساء. 65. وهذا كله يدل على عظمة هذا النبي عند ربه ومكانته
وقيمته لديه، وهو يستوجب احتراماً شديداً وتأدباً وتبجيلاً خاصاً من لدن المسلمين
تجاهه، لما في هذا الاحترام والتأدب والتبجيل والتسليم... من التزام بأمر الله
وطاعته، من ذالك التأدب معه في مناداته، إذ وتبعاً للتعليمات والتوجيهات الواردة
في الآية موضوع خطبتنا، فإن الله عز وجل يوجه عباده بأن لا يجعلوا مناداتهم للنبي
الأكرم عليه وعلى آله الصلاة والسلام كمناداتهم لبعضهم البعض، بحيث كما ورد عند
عامة المفسرين من المدرستين، أن النهي متعلق بمناداة النبي بمحمد... وإنما عليهم
أن ينادونه بنبي الله ورسول الله... وأن في مخالفة هذا الأمر وعيد شديد كما ورد في
ذيل الآية الكريمة.
وهو نفس
التأكيد الذي يسير في اتجاه احترام النبي الأكرم نجده قد تكرر في مواقع أخرى
وبأغراض أخرى في القرآن الكريم، كتلك التعليمات التي افتتحت بها سورة الحجرات، ﴿ يأيها الذين ءامنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا
له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون، إن الذين يغضون
أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى، لهم مغفرة وأجر
عظيم، إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ﴾. الحجرات. 2.
3. 4. فكانت هذه التوجيهات بغاية أن يعلم الناس أن النبي وإن كان بشراً مثلهم، إلا
أنه يسموا فوقهم لكونه نبياً مصطفى من عند الله وخيرته من خلقه، لذالك أوجب عليهم
معاملة مميزة تجاهه، غايتها الاحترام والتوقير والتبجيل والتسليم والخضوع
والإنقياد، وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة، ويجمع عليه كل المسلمين بالرغم من
تجاوزه من لدن بعضهم في لحظة من لحظات التاريخ.
وما قيل في حق
النبي الأكرم من ضرورة الاحترام والتأدب في المناداة... يقال في حق العترة الطاهرة
من آل بيته، ذالك أن الإمامة امتداد للنبوة، ولكي يتسنى للإمام القيام بنفس دور
النبي، من نصح وإصلاح وتبليغ... فإنه يجب أن يتمتع بكل مستلزمات ذالك، من طاعة
وتكريم وتبجيل واحترام... كما أن توصيات المشرع الحكيم الواردة بشأن اتباع كتاب
الله والعترة الطاهرة والانقياد لهما تقتضي ذالك أيضاً، إذ ما يقال في وجوب تعظيم
القرآن الكريم المجمع عليه من لدن كل المسلمين، يقال أيضاً في حق العترة، ومن هنا
سر اقترانهما في وصية النبي الأكرم بهما الواردة في الحديث النبوي الشريف : « ... وإني تارك فيكم الثقلين،
كتاب الله وعترة أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف
تخلفوني فيهما ».
هذا بالنسبة
لمن يعتقد بإمامة العترة الطاهرة، ولمن لا يعتقد بإمامتها فهو ملزم بالتقدير
والاحترام... لهم أيضاً امتثالاً لقول ربنا جل وعلا : ﴿ قل
لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ﴾. الشورى. 23. إذ أن مودتهم
تقتضي تكريمهم واحترامهم... بقدر تكريم واحترام... من بسببه عظمت مكانتهم، وعلى
هذا سار كثير من المسلمين، حيث كانوا ينادون الأئمة عليهم السلام بابن رسول الله.
كما أن غير
الأئمة من العترة الطاهرة هم معنيون أيضاً بهذا الاحترام بحكم انتسابهم وصلتهم
بالبيت النبوي، وهذا هو السبب في إفرادهم بموقع ومنزلة خاصة في بعض الأحكام
الشرعية كما هو الشأن في مصرف الخمس... وعلى هذا الفهم سار العديد من المسلمين، إذ
كانوا يخصون كل من ينتمي الى البيت النبوي من غير الأئمة بمعاملة متميزة، أساسها
الاحترام والتقدير والتبجيل والتعظيم... والمغاربة لم يكونوا بدعاً من ذالك، فمنذ
أن نزل بديارهم المولى إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي عليهم السلام
وهم يهتمون بالعترة اهتماماً خاصاً، فقد رحبوا به وزوجوه من نسائهم، ونصروه وعزروه
ووقروه، وكذالك كان تعاملهم مع نسله وعقبه، فكانوا يحبسون ويوقفون ممتلكاتهم على
كل من ينتمي الى العترة من فرط حبهم لهم، وكانوا يميزونهم عن غيرهم في المناداة،
فكانت كلمة ( الشريف ) لا تطلق الا على من ينتمي الى هذه الدوحة المباركة، وكل ما
سجله المغرب من تقدم في تاريخه كان بسبب هذا الولاء، وهذه سيرة طيبة للشعب
المغربي، وواجبنا أن نحافظ عليها ونعمل على إحيائها إذا أردنا النجاح في حياتنا
اليومية والفوز في الدار الآخرة، إذ أن نجاح الأمم يكمن في تعظيم عظمائها وتقديرهم
وتكريمهم.
وأما الخطبة
الثانية، فقد ركز فيها فضيلة السيد الحديث على ضرورة الاستفادة من التجارب المحيطة
بنا في هذا السياق، إذ أشار الى أن أحد أهم أسباب تقدم المجتمع الذي نعيش فيه،
يتمثل في تعظيمهم لشخصياتهم التاريخية التي ساهمت في تطوير المجتمع في شتى
المجالات، سواء منها المجال العلمي أو الأدبي أو الاجتماعي... ولذالك ترونهم
يقيمون التماثيل التذكارية للأطباء والفلاسفة والأدباء والشعراء... وعياً منهم بأن
هذا التخليد والاحتفال والتمجيد، سيشجع الأجيال المقبلة على العطاء أكثر لما في
ذالك من تقدير لكل من يساهم في تطوير المجتمع، والارتباط بماضيها باعتباره مفخرة
لهم، وباعتبار أن الأمة التي لا ماضي لها، هي أمة فاقدة للذاكرة، والأمة الفاقدة
للذاكرة لا حظ لها في الحاضر والمستقبل، من هنا كان لزاماً علينا كأمة مطالبة
بالتأمل في محيطها والاستفادة من تجاربه الإيجابية، أن نهتم بذالك وناخذ منه العبر
والدروس... ينهي فضيلة السيد خطبته.
No hay comentarios:
Publicar un comentario