Translate

jueves, 21 de agosto de 2014

خطبة الجمعة 18


ثقافة السب وأبعادها السلبية :

في خطبة الجمعة لهذا الأسبوع والتي أقيمت بمركز الإمام الهادي ببرشلونة، تطرق فضيلة السيد العربي البقالي الحَسَني بالدرس والتحليل الى موضوع : ثقافة السب وأبعادها السلبية، انطلاقأ من قول الله تعالى : ﴿ ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم ﴾. الأنعام. 108.

ذالك وبعد حمد الله والثناء عليه بما هو أهل له، والصلاة على النبي الأكرم وآله الأطهار، وتلاوة سورة من القرآن الكريم، وتحريض الحاضرين على تقوى الله عز وجل، باعتبار أن الله سبحانه جل جلاله، إنما يقبل من المتقين، وأنه يقف الى جانبهم، وعنايته تحضر معهم في حلهم وترحالهم...

استهل فضيلته الخطبة الأولى بالحديث عن أن الاسلام جعل للإنسان حرمة بما هو إنسان تغطي كيانه كله، ومن هنا حرم جميع أنواع الاعتداءات التي من شأنها أن تطال هذا الكيان، أكان هذا النوع من الاعتداء اعتداء مادياً أو معنوياً، ﴿ ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ﴾. البقرة. 191. وحيث أن السب يعتبر عدواناً معنوياً كما هو متعارف عليه في التشريعات الحديثة أيضا، فإن منعه يقع في نطاق عموم هذه الاية الكريمة، لما يشكل السب من تحاوز لحقوق الغير، واعتداء صارخ على كرامته، أياً كانت منزلة هذا الغير الاجتماعية، وبغض النظر عن دينه وعن مرتبته داخل هذا الدين، فالمسألة إذاً تتجاوز الموقع الاجتماعي للشخص ورمزيته الدينية، لترتبط بحق من حقوقه كإنسان لا يمكن تجاوزه تحت أي مسوغ.

وبالرجوع الى الاية الكريمة، فإننا نجدها تتضمن هذا الفهم العام والشامل، ولذالك جاءت لتنهى عن سب المخالف في الدين باعتبار أن المانع من ذالك هي الحرمة الانسانية، ولترفض رفضاً قاطعاً أن يكون الانتماء الى الدين موقعاً يخول إهانة الناس والتعرض لكرامتهم، لأن هذا العمل في النهاية يسير عكس اتجاه الأهداف المسطرة دينياً، والتي من أهمها خلق التعارف بين بني البشر على اختلاف ألوانهم ومعتقداتهم... فالسب يخلق العداوة والكراهية، وكلها عوامل قد تؤدي الى الاحتراب والاقتتال، ومن ثم القطيعة.

وإذا كان هذا هو المنطلق في التعامل مع عامة الناس المتدين منهم وغير المتدين، فمن باب أولى وأحرى أن يرتفع هذا السلوك القبيح من بين المتدينيين، بحكم أن التدين هو مدعاة للخلق الحسن، وللتعايش والتسامح، بل حتى ولو كان السب حقاً في سياق الرد والمعاملة بالمثل، فإن هذا الحق يجب أن يؤخذ عبر القنوات المخصصة لذالك كالقضاء وغيره، بل أكثر من ذالك ان المطلوب من المتدين بحكم الاخلاق الدينية وبحكم اتخاذ النبي والائمة عليهم السلام أسوة، ان يترفع عن السقوط في الرد، ويتمثل في ذاته قول الله عز وجل : ﴿ وأن تعفوا أقرب للتقوى ﴾. البقرة. 237. وقوله تعالى : ﴿ وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ﴾. النحل. 126.

لكن وحيث أن هذه الظاهرة السيئة تنتشر بين المتدينيين بسب اختلاف المذاهب والمدارس، فإن ذيل هذه الاية الكريمة، جاء لينبه الى نكتة مهمة، وهو أن سبك للآخر من منطلق الأرضية المذهبية أو العقدية، هو دعوة له كي يتعرض الى معتقداتك بالسب أيضاً، لأن الكل معجب بمعتقده ولو كان ذالك المعتقد في نظرك أمر تافه، فهو كبير في نظر من يعتقد به، وهو المقصود بقوله تعالى في ذيل هذ الاية : ﴿ كذالك زينا لكل أمة عملهم ﴾. الأنعام. 108.

وعلى هذا الوعي سارت توجيهات النبي الأكرم والأئمة الأطهار في الناس، فقد كانوا ينهون أتباعهم عن سب الآخر حتى ولو كان هذا الآخر من أعدائهم المجاهرين بعداوتهم لهم، أي ولو كان منطلق السب هو التقرب الى النبي وآله والبراءة من أعدائهم، فقد روي أنه قيل للإمام الصادق عليه السلام، يابن رسول الله، إنا نرى رجلاً يعلن بسب أعدائكم ويسميهم، فقال عليه السلام : « ماله يعرض بنا ». فإن كانت الاخلاق الحميدة تقتضي الترفع عن السقوط في المستويات التافهة بالانسياق وراء الرد عليها، فإن الاستنكار هنا في هذه الرواية، جاء بعلة أن هذا العمل من هذا الموالي، سيتحول الى إساءة عظيمة لآل بيت النبي عليهم السلام والتعريض بهم من حيث قصد الدفاع عنهم. وهذا ما أكده أيضاّ الامام الصادق عليه السلام من خلال تفسيره للآية موضوع خطبتنا بقوله : « لا تسبوهم فإنهم يسبون عليكم ». وفي هذا الاتجاه أيضاً سارت رواية للنبي الأكرم عليه السلام حيث قال : « ياعلي، من سبك فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله ».

وأما الخطبة الثانية، فقد استهلها فضيلة السيد بالحديث عن التمييز بين السب واللعن، حيث ذكر أن اللعن لا يعني السب أبداً، وانما المقصود منه الدعاء بالطرد من رحمة الله، وهذا ما يفهم من قوله تعالى : ﴿ أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ﴾. البقرة. 161. إذ لا يعقل أن ينهى الله عن السب في موضع ويبيحه في موضع آخر، ومع هذا وإن كان اللعن بهذا المفهوم، يجب أن لا يتحول الى ورد يومي يخرجه الموالي كل يوم ليتقرب به الى آل بيت النبي عليهم السلام، ويتبرأ به من أعدائهم، لأن البراءة موقف يعلنه المرء بوضوح وليس سلوكاً أو ورداً من الأوراد، فالتقرب ومودة آل بيت النبي تكمن في اتباع سلوكهم والتأسي بأخلاقهم، وأخلاقهم كانت دائماً الصفح عن أعدائهم والعفو عنهم مع تمييزهم وتحديددهم، وهذا ما حفلت به السير والتاريخ عنهم، فقد روي أن رجلا تعرض الى الامام زين العابدين عليه السلام بشتى أنواع السب والقدف، لكن الامام عليه السلام لم يقم بلعنه، وإنما تجاهله، غير ان الرجل لم يكتف بذالك، فقال له ياهذا، إياك أعني، فرد عليه الامام قائلاً : وعنك أغضي، فهل هذا يعني أن الامام سلام الله عليه كان عاجزاً عن رد هذا العدوان ولو في خلوته حتى ياتي الموالي لينتقم له، وهذا مالم يثبت عنه، أم انه تخلق بخلق القران الذي يقول : ﴿ فاصفح عنهم وقل سلام ﴾. الزخرف. 89. وهذا مانبه اليه أمير المومنين عليه السلام أتباعه في معركة صفين، حين بلغه أنهم يسبون ويلعنون جيش الشام، فنهاهم عن ذالك وقال : « كرهت لكم أن تكونوا لعانين شتامين... ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم فقلتم من سيرتهم كذا وكذا... ». فالإمام هنا يريد أن ينشئ مسألتين أساسيتين : الأولى أن اللعن وإن كان يتميز عن السب باعتباره أمر مشروع، فإنه لا ينبغي أن يتحول الى سلوك وورد يجعل من صاحبه لعاناً، أي شغله الشاغل هو لعن الناس. والثاني تمييز السب واللعن عن النقد، إذ ان النقد يتوجه الى العمل ولا يتوجه الى الشخص أبداً، ولذالك قال : لو وصفتم مساوئ أعمالهم... ومن هنا فإن النقد هو أمر مطلوب، ويمكنه ان يطال أعمال جميع الناس حتى ولو كانوا صحابة الا المعصومين عليهم السلام. ومن يقل غير هذا فإنه مطالب بأن ياتي بنصوص عن الائمة عليهم السلام، تثبت أنهم جعلوا من لعن أعدائهم وسبهم وردا يومياً تقربوا به الى الله كما كانوا يتقربون بالصلوات والأدعية وكل أنواع المعروف، واما ما يرد عن البعض من روايات تنسب الى الائمة يوصون فيها أتباعهم بلعن أعدائهم، فمعظمها مردود لسبب بسيط، وهو انه لو كانت صحيحة، لتلبس بها الائمة قبل أتباعهم، لان النبي والامام والرسالي والمصلح، يتلبس بما يدعو الناس اليه قبلهم، وهذا مالم يثبت عنهم في هذا المقام.

لذالك فالبنسبة لنا الترفع عن السب عقيدة اسلامية قبل ان تكون توجيهاً من جهة ما، أو اتباعاً لمرجعية وانتصاراً لها مقابل أخرى، ولا نحتاج في ذالك سوى البحث في القران الكريم وسنة النبي والعترة الطاهرة عليهم السلام لرفع الإشكال ينهي بذالك فضيلة السيد.

   

No hay comentarios:

Publicar un comentario