Translate

lunes, 2 de junio de 2014

خطبة الجمعة 8



مكانة القرآن وأهله :

في خطبة الجمعة لهذا الاسبوع والتي أقيمت بمركز الامام الهادي ببرشلونة، تناول سماحة السيد خطيب الجمعة بالمركز بالدرس والتحليل موضوع : القرآن ومكانة أهله، وذالك بعد أن دعا الحاضرين في الخطبة الاولى -  بعد أن حمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي وآله، وتلا سورة من القرآن الكريم  - الى تقوى الله في الرحم، والاهتمام بأولي الأرحام وصلتهم، لما لذالك من أهمية – بعد الامتثال لأمر الله -  في الحفاظ على النسل البشري قائما باعتبار أن القطيعة التي قد تمس الاقارب من شأنها ضرب الأسرة التي هي النواة الأساسية للمجتمع، ومن ثم تهديد النسل بالتوقف.

وفي الخطبة الثانية بدأ سماحته بالحديث عن مكانة القرآن وأهميته، إذ بالإضافة الى التنبيه الى أن القرآن هو كلام الله المنزل على الرسول الأكرم عليه وعلى آله الصلاة والسلام، والمصدر الأول من مصادر التشريع الاسلامي... فإن القرآن الكريم عرف نفسه أو قدم نفسه – ومن خلال آيات كثيرة – بتقديمات متعددة نقتصر على البعض منها، فنقول يضيف سماحة الخطيب بأن القرآن هدى ورحمة. ﴿ وإنه لهدى ورحمة للمومنين ﴾. النمل. 77. وأنه شفاء. ﴿ وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمومنين ﴾. الإسراء. 82. وأنه نور يستنير به الانسان. ﴿ قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين  ﴾. المائدة. 15. وأن القرآن يبين للناس شؤونهم الدنيوية وطريقهم الى الآخرة. ﴿ وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم  ﴾. النحل. 44.  وأنه يهدي الى الطريق المستقيم. ﴿ إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ﴾. الإسراء. 9. ليختم هذه السلسلة من الأوصاف بالتنبيه الى أن هذا القرآن تكفل الباري بحفظه لتنهل منه كل الأجيال عبر كل الأزمنة والأمكنة حتى يرث الله الارض ومن عليها. ﴿ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ﴾. الحجر. 9.

فهذا كله يؤكد قيمة القرآن في حياة الناس سواء من الجانب التشريعي أو الاجتماعي أو التاريخي أو النفسي... ولذالك أو صى النبي الأكرم المومنين بالحرص على تعلمه وتعليمه لما في ذالك من فائدة دنيوية وأخروية عبر الكثير من النصوص النبوية الشريفة، من ذالك قوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام : « تعلموا القرآن، فإن مثل حامل القرآن كمثل رجل حمل جراباً مملوءً مسكاً، إن فتحه فتح طيباً، وإن أوعاه أوعاه طيباً ». وقوله : « ما من رجل علم ولده القرآن الا توج الله أبويه يوم القيامة تاج الملك، وكسيا حلتين لم ير الناس مثلهما ». وقوله صلى الله عليه وآله : « من علم ولده القرآن، فكأنما حج البيت عشرة آلاف حجة، واعتمر عشرة آلاف عمرة... ». وقوله الشريف : « ألا من تعلم القرآن وعلمه وعمل به، فأنا له سائق الى الجنة، ودليل الى الى الجنة ». وقوله عليه الصلاة والسلام : « لا يعذب الله قلباً وعى القرآن ».

ونفس الأمر يضيف سماحة الخطيب أكد عليه الأئمة الأطهار سلام الله عليهم، حيث ورد عن أمير المومنين علي سلام الله عليه قوله في هذا الصدد : « تعلموا القرآن فإنه أحسن الحديث، وتفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره فإنه شفاء الصدور، وأحسنوا تلاوته فإنه أنفع القصص ». كما كان سلام الله عليه يحث أصحابه على تعلم القرآن، حيث روي في ذالك أنه وفد عليه عليه والد الشاعر الفرزدق رفقة ابنه هذا، فسأله الامام عليه السلام :

من أنت؟

فقال الرجل : غالب بن صعصعة المجاشعي.

فقال الامام : أنت ذو الابل الكثيرة؟

فقال غالب : نعم.

فقال الامام : ما فعلت إبلك؟

قال غالب : أذهبتها النوائب، وذعذعتها الحقوق.

فأجابه الامام : ذالك – إذهاب الحقوق لها – خير سبيلها.

ثم التفت الامام الى غالب وقال : من هذا الفتى الذي معك؟ وأشار الى الفرزدق. فأجاب غالب : إنه ابني، وهو شاعر.

فقال الامام عليه السلام : علمه القرآن فهو خير له من الشعر.

فاستجاب الفرزدق للنصيحة وحفظ القرآن الكريم في سنة واحدة بعد أن قيد نفسه في الأغلال للغاية نفسها. وفي ذالك أنشد قائلا :

وما صب رجلي في حديد مجاشع *** مع القدر الا حاجة لي أريدها

ولقد تمثل المغاربة ومنذ تاريخ قديم يضيف السيد خطيب المركز هذه التعاليم في أنفسهم، ووعياً منهم بقيمة هذهى الوصايا، أولوا عناية فائقة بالقرآن الكريم تعليماً وتعلماً، إذ أن كل التراب المغربي بمدنه وقراه ومداشره، أحياءه الشعبية والرسمية... كانت تعج بالكتاتيب القرآنية، وكان المرور بالكتاب القرآني دأب كل الفئات الاجتماعية التي ترغب في الحصول على مستوى علمي محدد، إذ كان من الصعب جداً تصور وجود شخص يتأهب لتعلم العلوم الشرعية دون أن يكون حافظاً للقرآن الكريم، بل إن حفظ القرآن الكريم كان شرطاً أساسياً لولوج المؤسسات التي توفر للطلبة فرصة ولوج أسلاك التعليم الشرعي سواء الرسمية منها أو غيرها. وكان العديد من المعلمين يهبون أنفسهم لتحفيظ التلاميذ القرآن الكريم، وكان الناس يتفانون في تقديم لقمة العيش لهؤلاء المعلمين، ولا زالوا على هذا النحو،  وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على حب المغاربة للقرآن الكريم، واستيعابهم لوصايا النبي والأئمة في هذا المجال، ولهم في ذالك تاريخ قديم يمتد الى دولة الأدارسة، ولا يمكن لأمة أن تزايد عليهم في هذا المجال أو تعطيهم الدروس في ذالك، ولقد شهد القاصي قبل الداني على كل علو كعب المغاربة في ذالك، بل إن المغاربة كانوا دائماً ينزلون حافظ القرآن الكريم منزلة خاصة قبل غيره من الناس، بل ان حفظ القرآن الكريم كان المعيار الأساسي عندهم في تمييز العالم من غيره إن تساو الناس في إتقان باقي العلوم الأخرى، وكل ذالك لم يكن من بدعهم، وإنما من شدة حرصهم على امتثال أوامر النبي والعترة الطاهرة.

لكن ما نراه اليوم يقول سماحة الخطيب من هرولة نحو قيم أخرى كان البعد الطائفي حاسماً في تثبيتها، هو انسلاخ عن هوية الأمة، وهو أمر لا يأمر به شرع أو يوصي بها مذهب، وإنما هو تقليد أعمى واستنساخ لثقافة وبيئتها يتجاوز أمر التقليد في الأحكام الشرعية، حتى أنه سار من العرف السائد بين الناس، أنه لا علم الا العلم الذي يصدر من جهة مخصوصة، ولا عالم الا ذلك الذي يلبس زياً مخصوصاً لا يحاكي الثقافة المغربية وكأن ذالك اللباس شهادة في حد ذاتها.

ليختم سماحة الخطيب خطبته بمثال في المقام حيث يقول : لو تقدم الى الناس رجلين من نفس المدرسة وبنفس المرتبة العلمية و القدرة على ممارسة التثقيف الديني، أحدهما خريج جامعة الأزهر والآخر خريج النجف الأشرف أو قم المقدسة، مع تفوق الأزهري بحفظه للقرآن الكريم، لقدم الناس للخطبة من تخرج من النجف... مع أنه ينبغي تقديم الأزهري في هذا المقام تكريماً للقرآن الذي يحمله، ولتكريم القرآن له تبعاً لما ورد عن النبي الأكرم في الحديث الشريف : « خيركم من تعلم القرآن وعلمه ».  

No hay comentarios:

Publicar un comentario