مفهوم العزة في الاسلام
وأساسها الوجودي:
في خطبة الجمعة لهذا
الأسبوع والتي أقيمت بمركز الامام الهادي ببرشلونة، تناول السيد خطيب الجمعة ورئيس
المركز بالدرس والتحليل موضوع : مفهوم العزة في الاسلام وأساسها الوجودي، انطلاقاً
من قول الله تعالى : ﴿ ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ﴾. المنافقون.
8.
إذ بعد حمد الله والثناء
عليه، والصلاة على النبي الأكرم والآل الأطهار، وقراءة سورة من القرآن الكريم،
وتحريض الحاضرين على تقوى الله سيراً على الهدي النبوي والعترة الطاهرة، نبه السيد
الخطيب في هذا الصدد بالتحديد الى ضرورة تنقية القلب وتطهيره باعتباره وعاء للتقوى
كما أكد ذالك قوله تعالى : ﴿ أولئك الذين امتحن الله قلوبهم
للتقوى ﴾. الحجرات. 3.
وأما الخطبة
الثانية فقد استهلها السيد خطيب المركز بالحديث عن المنظومات التربوية والقيمية
وتعددها واختلافها، ونبه الى أن أساسها الوجودي بالنسبة للعديد منها، يعود بالأساس
الى العرف المجتمعي الذي يتعارف الناس عليه مدة من الزمن، ثم يعدونه من الأمور
المحمودة لديهم، ثم يضمنونه في قوانينهم للحفاظ عليه وليصبح ملزماً للجميع، وهكذا
عند أغلب المجتمعات.. ولا شك أن بعض هذه القيم تتقاطع مع بعض التعاليم الدينية
التي يتبناها بعض أفراد المجتمع، فيكون لدين المجتمع دور ولو محتشم في إقرار بعض
القيم...
أما بالنسبة
للمنظومة القيمية التربوية للمجتمع الاسلامي، فأساسها الوجودي – في معظم جوانبها –
هو الدين الاسلامي باعتباره فطرة إنسانية، ﴿ فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله
التي فطر الناس عليها ﴾. الروم. 30. بحكم أن الدين هنا هو من يعمل على توجيه
الانسان نحو تكامله الانساني تبعاً للمعرفة الدقيقة بالانسان ووجدانه...
من هنا
وبالعودة الى قيمة العزة التي هي أساس موضوعنا، والى النموذج التي طرحته الاية
الكريمة ﴿ ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ﴾. المنافقون. 8. والتي تحدثت عن العزة
كقيمة ضمن منظومتين مختلفتين، حيث طرحها سياق الآية ضمن منظومة خارجة عن الاسلام
مثلها النفاق في هذه الحالة، وذالك في قوله تعالى : ﴿ لئن رجعنا الى المدينة
ليخرجن الأعز منها الأذل ﴾. المنافقون. 8. إذ أن الاعتزاز بالنفس في هذه المنظومة
أساسه العامل الخارجي أو الموضوعي البعيد عن الذات، والمتمثل في الجاه والحسب
والنسب والولد والمال والرئاسة... وهي أمور بالاضافة الى هشاشتها لكونها قد تتعرض
للزوال في أية لحظة ولكونها لا قوة لصاحبها في إيجادها وفي التحكم في استمرارها،
فإن من شأنها أن تخلق تفاوتاً طبقياً قد ينتهي بالمجتمع الى حالة تصدع تهدد وجود
كيانه.
في حين يضيف
السيد خطيب المركز، جاء الرد سريعا من القرآن الكريم ليعلن أن العزة لله ولرسوله
وللمومنين، وليؤسس لمفهوم آخر للعزة ضمن منظومته القيمية، حيث اعتبر أن أساس العزة
في الاسلام هو ذاتي، ينطلق وجوده وإيجاده من عبادة الله العزيز، ذالك ان العبادة
في جوهرها هي عملية تربية للنفس وتقوية لها في مواجهة جميع أشكال الابتزازات
الخارجية من شهوات ومغريات... كما أنها كذالك، تهدف الى خلق إنسان حر يملك إرادة
حرة على جميع المستويات، ولا يُخضِع رقبته لأي إنسان آخر مهما كان مستواه، وإنما يَخضع
ويتذلل لله وحده، وهو في ذالك يتساوى مع جميع المخلوقات، ومن هذه الفلسفة يستقي
عزته وشموخه وإباءه... وهذا يعني أن أساس وجود العزة في المنظومة الاسلامية هو
ذاتي، يعود الى ذات الانسان نفسه والتي تخصع لعملية تربية محددة تجعل النفس طوع
صاحبها وليس العكس، وهذا يعني كذالك أن العزة بهذا المفهوم وهذا الاساس، هي
بالاضافة الى كونها في متناول كل إنسان، فهي تنسجم مع قيمة الكرامة الانسانية من
حيث هو إنسان.
من هنا اعتبر
الاسلام أن العزة بالنسبة للمومن به، هي من القواعد العامة التي لا يجوز التنازل
عنها أو الاتفاق على مخالفتها، وهذا ما نستقيه من الاية الكريمة التي تؤكد على أن
العزة لله ولرسوله وللمومنين، وهو ما يعكسه حديث الامام الصادق سلام الله عليه : «
إن الله تبارك وتعالى فوض الى المومن أموره كلها، ولم يفوض اليه أن يذل نفسه، ألم
تر قول الله سبحانه ههنا : ﴿ ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ﴾. »
ليختم السيد
الخطيب خطبته ببعض التوصيات المتعلقة بكيفية معالجة بعض القضايا التي تعتري
الانسان في حياته والتي من شأنها أن تعرض عزته الى السقوط.
من ذالك أن
يتريث المرء في إطلاع محيطه على أسراره كما ورد ذالك في كلام الامام الصادق سلام
الله عليه : « ولا تخبر الناس بكل ما أنت فيه فتهون عليهم ».
وأن يكون وسطي
الشخصية في التعامل مع محيطه، لا بالفظ الغليظ ولا بالواهن كما جاء في رواية عن
الامام الصادق سلام الله عليه : « ولا تكن فظاً غليظاً يكره الناس قربك، ولا تكن
واهناً يحقرك من عرفك ».
فالمومن وخاصة في محيطنا هذا ذي التعددية والتنوع
الثقافي، يجب أن يحرص على عبادة الله التي من شأنها أن تجعله يتمثل في ذاته قيم
المنظومة التربوية الاسلامية... التي تخلق منه إنساناً عزيزاً محترماً في وسطه كما
نبه الى ذالك القرآن الكريم : ﴿ ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم
مؤمنين ﴾. آل عمران. 139.
No hay comentarios:
Publicar un comentario