Translate

miércoles, 23 de abril de 2014

فكر وأدب 2.


الحوار وسبل إنجاحه :

 

الحوار هو من العناوين والمفردات المتداولة كثيراً والحاضرة بشدة في الميادين الاعلامية والسياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية وغيرها، وحضوره القوي هذا يدل على أهمية وجوده في حياة الفرد والمجتمع إما كأداة لحسم الخلافات أو كويسلة لمد جسور التعاون والإبقاء على خيوط التواصل قائمة، فالبعض يومن بضرورة وجوده كاستراتيجية، والبعض الآخر لا يلجأ اليه الا عند استنفاذ جميع الوسائل الأخرى الممكنة، لذالك نجد أن هناك من يقرأ فيه سلوك العقلاء بحيث يقي من الوقوع في المنزلقات ويُمَكن من الوصول الى الحل في جو من الهدوء والتفاهم، بينما الآخر يرى فيه أسلوب الضعفاء، بحيث لا يلجأ اليه الا من لا يأنس في نفسه القوة الكافية لفرض الذات. ونظرة الناس هذه تحددها هوية المجتمع، فإذا كان المجتمع مجتمع ثقافة وفكر، فبالتأكيد أن الحوار سينظر اليه بنبل وإكبار، وسيُرى على أنه سلوك حضاري يعبر عن رقي المجتمع وسموه، وأما إن كان المجتمع مطبوعاً بطابع العنف وذي هوية أمنية، فإنه لا شك أن الحوار هنا سينظر اليه على أنه ضعف واستسلام وتخادل، ومن هنا فإن تبني الحوار واللجوء اليه والآثارالمترتبة عنه تتحكم فيه الخلفية الثقاقية للمجتمع وهويته، بحيث قد يكون الحوار ناجحاً وذا فائدة، أو قد يكون هدراً للوقت وإغراقاً في متاهات عميقة وإطالة لعمر الازمة كما هو الشأن في أغلب الحوارات التي يطول أمدها ولا تؤدي الى نتيجة تذكر،  كما أن شكله ونتائجه تختلف باختلاف ميادينه ومجالاته، فإن كان المجال فكرياً فان الاطراف عادة ما يأتون اليه من منطلق الممتلك للحقيقة وبغرض الاستقطاب، ولذالك نجدهم ورغم حرصهم الشديد على إنجاح الحوار واستثمار الجهد الفكري والنظري، واختيار أرقى الاساليب وأجمل التعابير، فانهم في الغالب ما يفشلون ثم يعاودون الكرة من جديد باستثمار جهد أكبر ووقت أكثر، لكنهم ومع ذالك لا يحصلون الا على نفس النتيجة، لأنهم ينطلقون من نقطتين مختلفتين موجودتين على طرفي سكة قطار، فلا يلتقون أبداً رغم قربهم الشديد. وان كان المجال سياسياً فان الاطراف يلتقون بعقلية فرض الشروط على الآخر والضغط عليه لإجباره على الخضوع والتنازل والاستسلام. وان كان المجال دينياً فان الاطراف يحضرون الى الحوار على قاعدة إقناع الآخر ببطلان ما يحمل من أفكار، ثم استمالته اليه واستقطابه ليصبح متبنياً لأفكاره وعقيدته، وهكذا الأمر مع معظم شخوص الحوار وقضاياه.

غير أن الحوار هو أسمى من ذالك بكثير وأرقى، بل هو من المبادئ التي أوصت بها الشرائع السماوية والافكار الانسانية، واهتمت به الشعوب المتحضرة لكونه سلوكاً تلجأ اليه المجتمعات لتعزيز التواصل والتعاون، ولاتقاء شر الفتن والصراعات والمواجهات التي تحصل نتيجة تضارب المصالح والتي تؤدي الى تصدع في العلاقات الانسانية، ولعل أبلغ تعبير عن ذالك وأصدقه مثالا، النموذج الاسلامي الذي يطرح الحوار كمبدأ ينطلق من مفردات تسمح لكل الاطراف بالانطلاق من نفس النقطة وبالتمتع بنفس الشروط كما أوضحت ذالك الآية الكريمة  ﴿ وإنا أو إياكم لعلى هدىً أو في ضلال مبين سبأ 24. فهذا النموذج لا يضع شروطاً مسبقة من شأنها إفشال مهمة المتحاورين، ولا ينطلق من عقلية امتلاك الحقيقة، بل يضع الاطراف على قدم المساواة ويترك لهم حرية التحرك كي يتوصلوا الى حلول تبقي على التعايش والتعارف قائماً، وتمد جسور التعاون بين المكونات الانسانية وان اختلفت مذاهبها وعقائدها وإيديولوجياتها حفاظا على التنوع والتعدد وضماناً لوجوده ولاستمراريته في المجتمع.

وفي كل الاحوال ولضمان نجاح الحوار لا بد من أن نهيئ له بيئة مناسبة، وأن ننضج له شروطاً ذاتية وموضوعية  تسمح بقيامه، وأهدافاً واضحة تضمن فاعليته ونجاحه، إذ أن الدخول الى الحوار دون أهداف محددة هو ضرب من ضياع الوقت، وهدر للجهد والامكانيات، وهو في النهاية كمن يرقم على الماء، وأما في الجلوس الى طاولة الحوار بأهداف واضحة ومحددة، ضمانة حقيقية لإنجاحه، وكسب للوقت وادخار للإمكانيات، وفي تقديرينا ولكي يكون الامر كذالك، فإن الحوار لا بد له وأن يضع نصب أعينه أهدافاً ثلاثة:

أولا: التعارف:

أهم المشاكل التي تؤدي الى التصادم والاقتتال هو الجهل بالآخر، لأنه يولد انطباعاً غير حقيقي عنه وقراءة غير واقعية له، ومن ثم بناء مواقف غير صحيحة حول شخصه، مما قد يدفع الى مواجهته على طول الخط ونصب العداء له بناءً على معطيات غير دقيقة، وهذه المواجهة قد تمتد الى أكثر من مجموعة وعلى أكثر من صعيد، فتصيب المجتمع بالتصدع من الداخل، لذالك فالتعارف يطرح الآخر على حقيقته ويزيل الغموض والالتباس عن شخصه، وهذا يمنح الفرصة لفهمه على نحو أوضح، ومن ثم التعامل معه بناء على تصور سليم يفضي الى بناء جو من الثقة والاحترام المتبادلين وان اختلفت التصورات والرؤى والمعتقدات، وهذا بدوره يساعد على تجنب الاصطدام والمواجهة ويفتح آفاق العمل المشترك.

ثانياً: التعايش:

الكل الآن أصبح يسلم بحقيقة وأحقية وجود التنوع والتعدد في المجتمعات وبضرورة احترام ذالك، وأن الناس ليسوا على مستوى واحد من الفهم والادراك والتمييز، وان لكل الحق في اختيار الانتماء الى أي طائفة يريد أو التمذهب بأي مذهب يشاء، وهذا التعدد المذهبي والطائفي هو الذي يفرض ضرورة التعايش بين كل مكونات الامة حفاظا على كيانها وعلى السلم قائماً داخل المجتمع، فالتعايش يضمن للكل الحق في الوجود وفي التعبير عن الرأي وفي ممارسة كل الحقوق على قدم المساواة مع الجميع بغض النظر عن العدد والحجم، وهذا ما يقفز عليه الكثير من العاملين في الحقل الفكري والديني، إذ يعتقدون أن الحوار هو قبول الحديث الى الآخر من موقع الأبوية، مع امتلاك الادلة والحجج على صدق ما تدعيه وكشف بطلان ما يزعمه هو، ومن ثم التفوق عليه وإقناعه بتبني مذهبك الصحيح وتحويله الى صفك إن لم تستطع تحويله الى نسخة لك، والا فالحكم عليه بالضلال والخروج عن جادة الصواب، وإالغاء حقه في الوجود. علماً أنه وحتى المرجعية الدينية التي ينطلق منها هؤلاء تعترف للآخر بحرية المعتقد والرأي والحق في الوجود، ولا تعطي لأي كان الحق في محاسبته أو إقصائه، ﴿ لكل أمة جعلنا منسكاً هم ناسكوه، فلا ينازعنك في الامر، وادع الى ربك، إنك لعلى هدىً مستقيم، وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون،الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون الحج 67.66.65. فهذه العقلية الاقصائية هي أحد العوامل الرئيسية في إيجاد التعصب بشتى أنواعه، لذالك كان التعايش هو السبيل الوحيد للحفاظ على وحدة المجتمع وتماسكه.

ثالثا: حماية المصالح المشتركة:

العيش فوق مجال ترابي مشترك وفي ظل وطن واحد، يفرض على الكل أن يتواصلوا فيما بينهم حفاظاً على المصالح العليا المشتركة وحماية للوطن من السقوط في براثين النزاعات الطائفية والمذهبية التي من شأنها أن تأتي على الجميع إذا ما اندلعت وشبت نيرانها، لان التفكير بهذه العقلية هو في واقع الامر تفكير بالذات أولاً وأخيراً اذا ما أردنا ان نكون ذاتيين ومصلحيين، لان العيش بدون الاخر هو أمر مستحيل الحدوث ليس لأن الانسان اجتماعي بطبعه كما يشاع، بل طبيعته جذابة الى امتلاك كل شيء من حوله، ﴿ وإنه لحب الخير لشديد العاديات 8. وحيث أنه لا يستطيع تحقيق كل ذالك لنفسه بنفسه، فهو مضطر لوجود الآخر الى جنبه، وعليه فهو مجبر للتواصل حفاظاً على الذاتي والموضوعي. وعليه فإن المصلحة العليا تفرض التحاور على قاعدة التساوي.

فالحوار إذاً لا يعني اختزال الآخر في الذات ولا إقصاؤه ولا التغلب عليه ومحوه من الوجود، كما لا يعني فرض الرأي بقوة الاغلبية أو فرض الشروط نتيجة منطق القوة ، وانما هو سلوك حضاري يهدف الى خلق التعارف والتعايش وتعزيز أواصر العلاقات حفاظا على كل ماهو مشترك، وإبقاءً على عنصر التنوع والتعدد قائماً في المجتمع، ولذالك كان تحديد الاهداف الثلاثة الآنفة الذكر، يعني من جهة العمل على أرضية واضحة تحقق للكل نفس الحقوق والمكتسبات، ومن جهة أخرى ضمان عدم الانزلاق الى أتون الصراعات الطائفية والاثنية التي لطالما مزقت مجتمعات وأتت على جميع مكوناتها دون تفريق ما بين قوي وضعيف.

مركز الهادي.

No hay comentarios:

Publicar un comentario