Translate

miércoles, 2 de abril de 2014

فكر وأدب

هذا المقال نشر في السابق على بعض من المواقع الاكترونية، ونعيد اليوم نشره هنا لتعميم الفائدة


البعد الانساني في الفكر العلوي

(..وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق..) تلكم كانت مقتطفات من الوصية التي وجهها الامام أمير الومنين علي (ع) الى الصحابي الجليل مالك الاشتر عند ما ولاه على مصر والتي كانت بمثابة الخطوط العامة لبرنامجه الحكومي، كلمات أسست لنظرية جديدة في الحكم تنبني على أساس المساواة في المواطنة بغض النظر عن الدين واللون والعرق، مضمونها ممتلئ بقيم إنسانية يمكن إجمال بعض منها فيما يلي:

1- التسامح:

على الرغم من أن دولة الامام(ع) هي دولة ذات مرجعية دينية الا ان هذا لا يعني غياب البعد الانساني في خطابها، ذالك لان الدين هو إنساني قبل كل شيء، كما لا يعني كذالك ان خطاب الدولة هو موجه فقط لأتباع الدين الذي تتبناه، بل هي دولة تتسع لكل مواطنيها على اختلاف انتماءاتهم الدينية والطائفية، لذالك كانت تعليمات الامام(ع) واضحة بضرورة إقرار ثقافة التسامح ما بين جميع الطوائف المشكلة للوطن، المتدينة منها وغير المتدينة، وان الجميع متساوون في الحقوق والواجبات، وان المعيار الاساسي في الاستفادة من خدمات الوطن ينبني على أساس الولاء لهذا الوطن وليس لباقي الاعتبارات الاخرى، لذالك رأينا أن هذه الدولة استطاعت أن تكسب ولاء كل المواطنين، فوجدنا عددا مهما ممن انخرطوا في جيشها ممن هم من غير المسلمين يدافعون عن حوزتها ووحدة ترابها تعبيرا منهم عن رضاهم إزاء سياستها وعن رقي مستوى العلاقة التي تجمعهم بهذ الوطن، كما وجدنا كذالك ان الدولة تضرب بيد من حديد على يد كل من يتعرض لسلامة مواطنيها وأمنهم في الداخل والخارج بداعي الاختلاف في الانتماءات العقائدية والعرقية والسياسية، فهذه السياسة هي التي أكسبت الامام(ع) ود وحب كل المواطنين وبالتحديد أولئك الذين لم يكونوا من قوميته العربية لما أحسوا به من مساوات مع غيرهم من المواطنين.

2- التعايش:

من أهم الميزات التي امتازت بها دولة الامام(ع) وجود طوائف دينية وعرقية متعددة نتيجة لاتساع رقعة الوطن، لكن التحدي الاكبر كان هو: كيف يمكن تحويل هذا التنوع الى عامل قوة يمكن الاستفادة منه في تقدم هذا الوطن، لذالك كان إقرار مبد أ التعايش عاملا حاسما في استقراره وتقدمه، وفي استنفار كل الطاقات الكامنة في مجتمعه، وكانت لكلمات هذه الوصية وقعاً إيجابياً على الناس، فنزلت على نفوسهم برداً وسلاماً جعلتهم يحسون بأهميتهم في هذا البلد، وبحقهم في الحفاظ على كيانهم الطائفي والعقدي داخله نتيجة الضمانات التي تقدمها الدولة في هذا الاتجاه من خلال إقرار هذا المبدأ الذي صار فيما بعد ثقافة تشبع بها كل المواطنين، فأصبحوا يتكلمون بنفس اللغة التي تتكلم بها الدولة، وصار الكل يتنافس في العمل على إظهار ما تكتنزه جماعته من قوة خدمة لبلده بدل التفكيرفي الطائفة ما دام البلد يمثل الكل، مما ساعد الجميع على العيش ضمن وطن يستوعب هذا التنوع الهائل بفضل سياسة الامام(ع) الذي سخر كل إمكانياته من أجل إقرارها في حكومته.

3- الاعتراف بالآخر:

لقد كان الامام(ع) على وعي تام بإفرازات توسع الرقعة الجغرافية للدولة وما نتج عن ذالك من وجود جماعات متعددة الطوائف والاعراق وما يمكن أن يخلف ذالك من أضرار على المجتمع إذا لم يتم تداركه بسياسات حكيمة تبعد عنه شبح التصدع، لذالك عمل من خلال وصيته هذه على إشاعة ثقافة الاعتراف بالآخر كمكون من مكونات المجتمع وتمكينه من كل حقوقه بما فيها الثقافية واللغوية والدينية والسياسية وغيرها من الحقوق، حقوق لم يكن لهؤلاء ممارستها الا في إطار هذه الدولة، لذالك اكتسبت هذه الدولة قوتها بفعل قدرتها على توحيد صفوف أبنائها واستنهاض هممهم وعزائمهم لخدمة الصالح العام بعد أن وفرت لهم جميع الوسائل لذالك، فعاملتهم جميعا على قدم المساواة دونما إقصاء أو تمييز بينهم لا على أساس ديني، ثقافي, أو عرقي أو أي أساس آخر، وهذا التوجه هو الذي جعل الجميع يصطف في خندق واحد وراء الدولة من أجل تحقيق الرفاهية والقوة التي يطمح المجتمع الى تحقيقها، وينخرطون في مشروعها المجتمعي الذي رسمه الامام(ع) من أجل النهوض بجميع القطاعات لتحقيق مستقبل أفضل للجميع.

فهذه إذا بعض من القيم الانسانية التي تضمنتها هذه الكلمات من الوصية التي أرسى الامام(ع) دعائمها في المجتمع لتكون بعد ذالك مرجعا للحاكم والمحكوم على حد سواء, وهنا تكمن أهميتها القصوى، ذالك أن هذه الافكار منصوص عليه إسلامياً، لكن ما زادها قيمة هو إخراجها في هذا القالب البديع وتضمينها في هذه الوثيقة التي تعتبر بمثابة العقد الاجتماعي والسياسي بين الحاكم والامة، عقد بموجبه يتم تسيير الدولة على أساس من الشفافية والوضوح، كل يعرف ما له وما عليه، وبالخصوص قوله: إما أخ لك في الدين أونظير لك في الخلق, فهذه الجملة بالتحديد هي تعبير صادق عن مفهوم الحكم في دولة الامام(ع)، مفهوم يقوم على أساس المساواة والعدالة الاجتماعية، مفاهيم تضمن حقوق وكرامة المواطن كيفما كان انتماؤه ولونه وعرقه، وليس لأحد الفضل على الآخر في الوطن الا بالاخلاص للوطن، بهذه الكيفية استطاعت دولة الامام(ع) أن تشكل نموذجا متميزاً في نظام الحكم بما حملته من قيم إنسانية احتوت كل المواطنين الذين انضووا تحت رايتها.

هذا الامام(ع) الذي أقام دعائم هذا النظام، هو بالنسبة لبعض من المسلمين خليفتهم الرابع، طاعته واجبة، وبالنسبة للبعض الآخر إمامهم الاول، حبه وطاعته وولايته واجبة، ألفوا في طريقة إدارته للحكم وفي مناقبه كتباً ومراجع عديدة، عاش كلا الفريقين في ظل دولته ردحاً من الزمن غير قصير، في جو من السلم والامن الاجتماعيين، ينعمان فيها بما وفرته منظومته القيمية من هدوء، لكن الفريقين اليوم يعيشان على وقع نار طائفية مستعرة أوقد نارها طرف ثالث لا تخدم مصلحته وحدة الامة، ألم يكن من الاجدى والطرفان يملآن فمهما بحبهما وتعلقهما بالامام(ع) أن تكون أفكاره وطريقة إدارته للقضايا السياسية والفكرية ملهماً لهما في حل مشاكلهما وحسم خلافهما..! ما قيمة هذا التعلق اذا لم يؤد الى الاقتداء بنهج صاحبه في الحياة..! العالم كله يعرف ان الامام(ع) لم يكن يوما داعية حرب أو موقد فتنة، بل هو من تجرأ على الفتنة ففقأ عينها عند ما لم يقدر أحد على وأدها، ألم تكن أخلاق الامام(ع) وأفكاره وفلسفته في الحياة كتلك التي أوردنا بعضا منها كافية للتسلح بها في مواجهة هذا التصدع وفاء لروحه وإخلاصاُ لتفانيه ولما قدمه ليس فقط من أجل إسعاد المسلمين بل للإنسانية جمعاء..! ما سبب هذا الإصرار في الإبقاء على هذه الفتنة موقَدَة..؟ أليس منكم رجل رشيد ينبري لها بروح الامام(ع) وبعقله..؟ كل الذي أوردناه عن الامام(ع) وعن رؤيته وقدرته على لم الشمل  ورفع الخلاف يسحب البساط من تحت أقدام أولئك الذين يدعون أنهم يكافحون من أجل أن لا يكون هناك لا غلو في حب الامام(ع) ولا تقصير في مودته، ألم يأن للذين آمنوا منهم أن تهتدي قلوبهم الى الحق فيعلموا أن هذه الفتنة تكلف الامة الكثير، وأن المستفيد الوحيد منها هو العدو، اعلموا أن تبادل التهم وتحميل المسؤوليات لن يوقف هذا النزيف،  بل الاهم هو ان ما يجمع أكثر مما يفرق، فكونوا إخوة في الدين أو نظراء في الخلق تجدون الحل، ولوا عامل بعضكم البعض على هذا الاساس لاكتشفتم أن ما يجري من صراع هو أمر مفتعل، وانكم إذا لم تلتقوا على أرضية دينية فستلتقون على أرضية إنسانية، الا تفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد كبير.

حري بالمسلمين جميعاً أن يكون لهم في نهج الامام(ع) أسوة حسنة لمن كان يرجو وحدة الامة، لقد كان فكره الانساني الذي ملأ الدنيا مصدر إلهام للعدو قبل الصديق، فكيف لا يكون للمسلمين كذالك وقد كان لهم خليفة وإمام..! إن هذه السيرة التي تركت صدى طيباً لدى كل الناس فصارت تراثاً إنسانياً ينبغي أن تكون لنا مصدر فخر واعتزاز، واقل ما يمكن أن نقدمه له كعربون وفاء أن نتحد فيه، ان نجعل من شخصه رمزاً للوحدة ولوا على المشترك وهو كثير، لا يطلب من أحد أن يحل في الآخر، لكل أمة منسكاً هم ناسكوه، ليس المهم من بدأ، بل المهم من يبادر الى نزع فتيل الفتنة، ويبقى على روح التعاون قائمة تطبيقاً لروح هذا الفكر الانساني العظيم وضماناً لاستمراره بين الناس، فأقيموا إذاً لهذا الفكر مكاناً في قلوبكم يقم لكم واقعاُ على أرضكم، وانظروا كيف تخلفون الامام في فكره الانساني. 

No hay comentarios:

Publicar un comentario